في سيرة الفتى للاديب الاردني ماجد شاهين
نيسان ـ نشر في 2015-07-27 الساعة 20:43
( 1 ) حلم !
كان شاعر ٌ يقرأ في الزاوية سطرين من قصيدة ٍ لامرأة ، وفتاة في طرف ٍ بعيد تراقب ... وهناك في مكان يخلو من العابرين كان العازف انتهى لتوّه من دندنة جملتين موسيقيّتين على مقام الرصد ... وفي الجوار بائعة ورد ٍ كانت ضفرت ما يلزم من الورد لجولة ٍ في السوق ... وعند الرصيف ، الذي يظهر من نافذة المسرح ، كان الراوي يسجّل في دفتره الصغير ملامح الناس و يرسم صورة الشارع والعربة التي دهست طفل َ المدينة ... وبعد مسافتين أو خطوتين من بوّابة المكان ، حيث ينطلق المغادرون ، كانت نحّاتة تحفر بإزميل التعب جملًة ً عن البلاد التي تحبّها و تنقش سيفاً و بقع َ دماء .
... الشارع يضيق الآن بمن غادروا مسرح المدينة ، كلّ منهم يذهب في طريق ٍ واتجاه .. الرسام إلى صندوق ألوانه ، والشاعر إلى شجرة يستظلّ بها وعندها في انتظار أن تلتمع في ذهنه صورة أخرى للعاشقة .. والعازف الجميل ُ راح لكي يتمرّن على أصول عزف مقام البيات .. والنحّات يبحث الآن عن حجارة تليق بصور الشهداء و وجوههم .. أمّا الراوي فيكتفي بالفرجة والتأمّل لكي يستجمع ما قد تراه عينه و روحه .
...
تلك فكرة ُ حب ّ ٍ أو ورشة ٌ ينخرط المرء فيها لكي يتمرّن على الحبّ والحياة ولكي يعرف الطريق إلى الشمس و الزيتون و المدن الجميلة .
.. للمناسبة ، العاشقات المبهجات يحببن َ الشوارع المزدحمة والأماكن التي تلتقي فيها المواعيد بالمصادفات وتصعد عندها سيرة النشيد البهيّ .
.. الشارع ، حين يزدحم بنا ، يتّسع للناس كلّهم .
( مقطع من سيرة في الحلم)
( 2 ) .. و ينفع !
.. و ينفع ُ أن نجد َ لنا مَقعدين حول طاولة ٍ في درب ٍ هنا أو هناك ، ينفع ُ أن تكون الطاولة عند خائط ملابس أو راتق أردية يسعى الناس ُ إليه لكي يستر عورات القماش !
أو ، هكذا ، في الدرب تكون الطاولة ُ والمَقعدان وولد قليل ٌ يبيع الميرميّة أو الزعتر الأخضر ، عند أوّل الدرب ، وبائع العصائر ينادي في الناس أن تعالوا إلى الفاكهة !
...
ينفع ُ أن تكون المواعيد في أوقاتها من دون أن يؤجّلها عطب ٌ في صوت الناي أو نقص ٌ في ماء البائع أو عفن أصاب ورق الزعتر فأطاح الرائحة .
...
ينفع ُ أن نملأ صحن النافذة بالماء ، ولا ننهر العصافير !
ينفع ُ أن لا نسرق أصابع العازف !
ينفع ُ أن نترك للشمس فرصتها كيما تخلع قميص نومها على مهلها وترتدي حلّة النهار !
ينفع ُ إن ْ أردنا الحياة : أن ْ لا تجف ّ ماء المرحبا بيننا و أن ْ لا نطفيء الضوء حول الفراشات .
...
ينفع ُ !
( 3 ) يشربون قهوتهم !
ينهض ُ السياسيّ من نومه متثاقلا ً ، ويتجه إلى الماء لكي يغسل وجهه ، بينما يبدأ الشاعر نهاره بحركة خفيفة باتجاه النافذة لكي يجد العصفور بعدما كان سمع صوته قبل قليل .. أمّا الصحافيّ فيصحو من نومه ويمد ّ يده إلى دفتر مواعيده وينظر في ساعة معلّقة إلى الجدار ، فيما يكتفي الرسّام بأن يفتح عينيه و يسند رأسه إلى يديه المعقودتين خلفه وينظر إلى خيط الشمس القليل الذي انبعث في سقف الغرفة .
.. كلّهم يشربون قهوة الصحو ، أحدهم عند النافذة وقد يعبث بها عصفور وتندلق ، والآخر عند سريره وفي الأغلب لا يجد طعماً ملائما ً فيها .. أمّا الثالث وقد يكون الرسّام فينظر في الفنجان مليّا ً ويتركه من دون أن يتناول رشفة ويروح إلى فكرة في لوحة ٍ يلملم أطرافها ثم يعود إلى قهوته .. أمّا الرابع فقد يترك فنجان القهوة لكي يصير باردا ً كما ينبغي .
.. أمّا عند النوم ، فجميعهم يندلقون في غفواتهم و يغطّون في نومهم العميق ، إلا ّ المرأة التي يكتبون عنها أو يرسمونها أو يسردون تعبها أو يدعونها أن تكون شريكة حياتهم ، تلك المرأة تحرس أرواحهم .
.. تلك امرأة لا تنام .